کد مطلب:335745 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:257

اتباع إبراهیم
بعد عهد السبی تاجر الیهود بالمیراث الذی كتبه الله لإبراهیم، وانطلقوا

فی اتجاه هذا الهدف بالعمل علی إقامة مملكة داود، وعاصمتها أورشالیم، بعد أن تبنوا عقیدة تقول: إن مملكة داود هی وعاء للعهد الإبراهیمی، وعلی امتداد مسیرتهم وبخهم الأنبیاء علی هذا الاعتقاد، فقال لهم حزقیال: تقولون: إن إبراهیم كان واحدا وقد ورث الأرض، ونحن كثیرون لنا أعطیت الأرض میراثا... تأكلون بالدم، وترفعون أعینكم إلی أصنامكم، وتسفكون الدم. أفترثون الأرض؟ " [1] ، وقال لهم یوحنا (یحیی): تقولون: " لنا إبراهیم أبا، فإنی أقول لكم: إن الله قادر أن یطلع من هذه الحجارة أولاد إبراهیم " [2] ، وقال لهم المسیح علیه السلام: " لو كنتم أولاد إبراهیم لعملتم أعمال إبراهیم "، وقال: " أنتم أولاد أبیكم إبلیس،. شهوات أبیكم، ترغبون فی أن تعملوا، فهو من البدء كان قاتلا للناس " [3] .

.



[ صفحه 15]



وعندما بعث النبی الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم، تحدث أهل الكتاب بعقیدتهم الخاصة بالمیراث، وعملوا علی نشر الثقافة التی تصب فی وعاء هذه العقیدة، والیهود فی مصادر الإسلام أعلنوا أنهم فی انتظار المسیح الذی یملكون به الأرض، والنصاری تحدثوا بما وضعه بولس فی عقولهم، وهو أن الأمم شركاء للیهود فی المیراث، ووفقا لهذا الاعتقاد بدأوا بالتحرك لوقف تحرك الدعوة الخاتمة فی اتجاه الأمم، وشید الیهود والنصاری صروحهم علی إبراهیم علیه السلام، فبینما زعم الحی الیهودی أن إبراهیم كان یهودیا، زعم الحی النصرانی أن إبراهیم كان نصرانیا، وفی زحمة هذه الثقافات، قالت الیهود: لیست النصاری علی شئ، وقالت النصاری: لیست الیهود علی شئ، هذه الأقوال والاعتقادات شهد بها القرآن الكریم، ورد علیها، وأقام علی هؤلاء وهؤلاء الحجة الدامغة، ومن هذه الآیات قوله تعالی: (وقالت الیهود والنصاری نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم یعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق یغفر لمن یشاء ویعذب من یشاء) [المائدة: 18]، والمعنی: لو كنتم - كما تدعون - أبناء ه وأحباءه، فلم أعدت لكم نار جهنم علی كفركم وكذبكم وافترائكم (بل أنتم بشر ممن خلق)، أی لكم أسوة بأمثالكم من بنی آدم، وهو - سبحانه - الحاكم فی جمیع عباده، فعال لما یرید، لا معقب لحكمه، وهو سریع الحساب. وقال تعالی: (وقالوا كونوا هودا أو نصاری تهتدوا قل بل ملة إبراهیم حنیفا وما كان من المشركین، قولوا آمنا بالله وما أنزل إلینا وما أنزل إلی إبراهیم وإسماعیل وإسحاق ویعقوب والأسباط وما أوتی موسی وعیسی وما أوتی النبیون من ربهم لا نفرق بین أحد منهم ونحن له مسلمون، فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم فی شقاق) [البقرة: 135 - 137]، وقبل هذه الآیات بین - تعالی - أن الدین الحق الذی كان علیه أولاد إبراهیم من إسماعیل وإسحاق ویعقوب وأولاده، كان هو الإسلام الذی كان علیه إبراهیم حنیفا، ویستنتج من ذلك أن أهل الكتاب علی عهد البعثة



[ صفحه 16]



الخاتمة، كانوا قد انتهی بهم المطاف إلی أرضیة الاختلافات والانشعابات، التی أفرزتها اختراعاتهم وهوسهم، بعد أن صبغوا دین الله بصبغة الأهواء والأغراض والمطامع، وروی أن الیهودی عبد الله بن صوریا قال للرسول صلی الله علیه وآله وسلم: ما الهدی إلا ما نحن علیه، فاتبعنا یا محمد تهتد، وقالت النصاری مثل ذلك [4] ، فقال الله لرسوله: (قل بل ملة إبراهیم حنیفا وما كان من المشركین)، أی: قل بل نتبع ملة إبراهیم حنیفا، فإنها الملة الواحدة التی كان علیها جمیع أنبیائكم، وما كان صاحب هذه الملة - وهو إبراهیم - من المشركین. ثم ذكر لهم أن الدعوة الخاتمة تؤمن بالله وما أنزل إلیها، وهو القرآن، وما أنزل إلی إبراهیم وإسماعیل وإسحاق ویعقوب، ثم ذكر ما أوتی موسی وعیسی، وخصهما بالذكر، لأن المخاطبة مع الیهود والنصاری، ثم ذكر ما أوتی النبیون من ربهم، لتشمل الشهادة جمیع الأنبیاء، فیستقیم قوله بعد ذلك: (لا نفرق بین أحد منهم)، ثم قال تعالی: (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا)، أی فإن آمنوا بما آمنتم به من الإیمان بجمیع كتب الله ورسله ولم یفرقوا بین أحد منهم، فقد أصابوا الحق وأرشدوا إلیه. من الآیات السابقة یمكن أن نستشف الثقافة التی كان الیهود والنصاری یبثونها علی عهد الرسالة الخاتمة، فلقد ادعوا بأنهم أبناء الله وأحباؤه، وقالوا: كونوا هودا أو نصاری تهتدوا، ویبدو أن القرآن عندما ضرب العمود الفقری لثقافتهم هذه، قرروا بأن یعمل كل حی من أحیائهم علی انفراد، ویمكن أن نستشف ذلك من قوله تعالی: (وقالت الیهود لیست النصاری علی شئ وقالت النصاری لیست الیهود علی شئ وهم یتلون الكتاب) [البقرة: 113]، قال المفسرون: " هؤلاء أهل الكتاب الذین كانوا علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وهذا القول یقتضی أن كلا من الطائفتین صدقت فی ما رمت به الطائفة الأخری، ولكن ظاهر سیاق الآیة یقتضی ذمهم فی ما قالوه مع علمهم.



[ صفحه 17]



بخلاف ذلك، ولهذا قال تعالی: (وهم یتلون الكتاب)، أی: وهم یعلمون شریعة التوراة والإنجیل، كل منهما قد كانت مشروعة فی وقت، ولكنهم تجاحدوا فیما بینهم عنادا وكفرا ومقابلة للفاسد بالفاسد " [5] ، وبالجملة، قد كان أوائل الیهود والنصاری علی شئ، وهذا لا تخلو منه كتبهم لإقامة الحجة علیهم علی امتداد المسیرة، ثم ابتدع الذین من بعدهم وتفرقوا، ثم جاء العلماء الذین وضعوا التفسیر الشفهی للتوراة (التلمود)، وعندها انقسم الیهود إلی فرق وأحزاب، وانتهی الأمر بأن وقف الحی الیهودی داخل دائرة حددها الأحبار، ووقف الحی النصرانی داخل دائرة حددها بولس لخدمة أصحاب الدائرة الأولی، فالثقافة التی تخرج من مدونات خدمة النصاری للیهود تقول بأن الیهود والنصاری أبناء الله وأحباؤه، أما الثقافة التی تدفع أصحابها إلی أن یقول كل منهم أن الآخر لیس علی شئ، فهی نتیجة لحجة البعثة الخاتمة ومواجهتها للأطراف مجتمعین، فالدعوة الخاتمة أرشدتهم إلی الحق لیتفكروا ویتدبروا، وبدلا من أن یرجعوا إلی كتبهم التی لا تخلو من حق، ویعرضوها علی منهج البعثة الخاتمة، انطلقوا من التفسیر الشفهی، وهذا التفسیر لا یقیم حقا لا إلی هؤلاء ولا إلی هؤلاء، لأنه مقابلة للفاسد بالفاسد. وفی مجال عمل كل حی منفردا عن الآخر، قام كل منهما بوضع جمیع الأنبیاء داخل الحی الخاص به، ورد القرآن علیهم قولهم، قال تعالی: (أم تقولون إن إبراهیم وإسماعیل وإسحاق ویعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصاری قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون) [البقرة: 140]، والمعنی: قال كل من الفریقین: إن إبراهیم ومن ذكر من بعده منهم، فقال تعالی: (قل أأنتم أعلم أم الله)، أی: فإن الله أخبرنا وأخبركم فی الكتاب أن موسی وعیسی وكتابیهما بعد إبراهیم، فإذا كان تشریع الیهودیة أو النصرانیة بعد إبراهیم ومن ذكر معه، فكیف یكون إبراهیم والذین ذكروا معه هودا أو نصاری؟ وقال تعالی: (یا أهل الكتاب لم.



[ صفحه 18]



تحاجون فی إبراهیم وما أنزلت التوراة والإنجیل إلا من بعده أفلا تعقلون، ها أنتم هؤلاء حاججتم فیما لكم به علم فلم تحاجون فیما لیس لكم به علم والله یعلم وأنتم لا تعلمون، ما كان إبراهیم یهودیا ولا نصرانیا ولكن كان حنیفا مسلما وما كان من المشركین، إن أولی الناس بإبراهیم للذین اتبعوه وهذا النبی والذین آمنوا والله ولی المؤمنین، ودت طائفة من أهل الكتاب لو یضلونكم وما یضلون إلا أنفسهم وما یشعرون، یا أهل الكتاب لم تكفرون بآیات الله وأنتم تشهدون، یا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون) [آل عمران: 65 - 71]. لقد أنكر الله علیهم قولهم ذلك، وأمرهم برد ما لا علم لهم به إلی عالم الغیب والشهادة الذی یعلم الأمور علی حقائقها، وشهد - سبحانه - بأن إبراهیم كان متحنفا عن الشرك، قاصدا إلی الإیمان، وما كان من المشركین، وأخبر - سبحانه - بأن أحق الناس بمتابعة إبراهیم، الذین اتبعوه علی دینه، وهذا النبی، یعنی محمدا صلی الله علیه وآله وسلم والذین آمنوا، لأنهم علی الإسلام الذی اصطفی الله به إبراهیم، وكذا كل من اتبعه دون أن یكفر بآیات الله ویلبس الحق بالباطل، ثم أخبر - تعالی - بأن طائفة من أهل الكتاب تود أن تضل الذین آمنوا بإلقاء الشبهات بینهم، وأنهم یضلون أنفسهم أولا، لأن الإنسان لا یفعل شیئا - من خیر أو شر - إلا لنفسه، كما قال تعالی: (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فلها وما ربك بظلام للعبید) [فصلت: 46]، ثم قال سبحانه: (یا أهل الكتاب لم تكفرون بآیات الله وأنتم تشهدون) [آل عمران: 70]، وأهل الكتاب لا ینكرون أن للعالم إلها، وإنما ینكرون أمورا من الحقائق بینتها لهم الكتب السماویة المنزلة علیهم وعلی غیرهم، كنبوة النبی صلی الله علیه وآله وسلم، وكون عیسی عبد الله ورسوله، وأن إبراهیم لیس بیهودی ولا نصرانی، وأن ید الله مبسوطة، وأن الله غنی، وأن الدجال فتنة فیه تصب جمیع الفتن، إلی غیر ذلك. وقوله تعالی: (وأنتم تشهدون)، والشهادة هی الحضور والعلم عن حس، دلالة علی أن المراد بكفرهم بآیات الله، إنكارهم



[ صفحه 19]



كون النبی صلی الله علیه وآله وسلم هو النبی الموعود الذی بشر به التوراة والإنجیل، مع مشاهدتهم انطباق الآیات والعلائم المذكورة فیهما علیه، وأیضا إنكارهم ما یبینه لهم النبی الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم من آیات ربهم التی تنطق بها كتبهم التی بین أیدیهم، ویشهد القرآن بها، ثم قال تعالی: (یا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون) [آل عمران: 71]، والمعنی: لم تظهرون الحق فی صورة الباطل؟ وقوله: (وأنتم تعلمون) دلالة أو تلویح علی أن المراد باللبس والكتمان ما هو فی المعارف الدینیة، غیر ما یشاهد من الآیات التی حرفوها أو كتموها أو فسروها بغیر ما یراد منها. ولما كان الله - تعالی - قد أنكر علیهم كفرهم بآیات الله وهم یشهدون، فإنه - تعالی - بین فی آیة أخری من آیات القرآن الكریم، أن جدالهم فی آیات الله بغیر سلطان أتاهم، رغبة منهم فی إدحاض الحق الصریح بهذا الجدال، قد أوقعهم فی فتنة المسیح الدجال، ففی قوله تعالی: (إن الذین یجادلون فی آیات الله بغیر سلطان أتاهم إن فی صدورهم إلا كبر ما هم ببالغیه فاستعذ بالله إنه هو السمیع البصیر) [غافر: 56]، أخرج ابن أبی حاتم عن كعب، أن هذه الآیة نزلت فی الیهود فی ما ینتظرونه من أمر الدجال، وأخرج ابن المنذر عن ابن جریج، قال: قال الیهود: یكون منا ملك آخر الزمان، البحر إلی ركبتیه، والسحاب دون رأسه، یأخذ الطیر بین السماء والأرض، معه جبل خبز ونهر، وقال أبو العالیة: نزلت هذه الآیة فی الیهود، وذلك أنهم ادعوا أن المسیح (الدجال) منهم، وأنهم یملكون به الأرض، فأمر الله نبیه صلی الله علیه وآله وسلم أن یستعذ من فتنة الدجال [6] .

وبالجملة، بینت الدعوة الإلهیة الخاتمة أن الرقعة التی یقف علیها أهل الكتاب ویطالبون من فوقها بالمیراث الذی كتبه الله لإبراهیم، رقعة لا علاقة لها بإبراهیم ولا بالأنبیاء الذین جاؤوا من بعده، لأنها رقعة أوجدتها.



[ صفحه 20]



الاختلافات والانشعابات، وهذا لا یستقیم مع الدین الإلهی، لأن الدین واحد، كما أن الإله المعبود بالدین واحد، وهو دین إبراهیم علیه السلام، وهذا الدین هو الذی تتمسك به الدعوة الإلهیة الخاتمة، ولما كان القوم لا علاقة لهم بإبراهیم، وشهد بذلك حزقیال وأشعیا ویوحنا والمسیح علیه السلام، وشهد بذلك القرآن الكریم الذی أنزل علی محمد صلی الله علیه وآله وسلم، فالنتیجة هی أن القوم لا علاقة لهم بمیراث إبراهیم فی الدنیا والآخرة، ولما كان القوم ما زالوا یعتقدون بأن القدر یخبئ لهم أمیرا سیخرج آخر الزمان یمتلكون به الأرض، فإن الدعوة الخاتمة أخبرت بأن المسیح الدجال سیخرج آخر الزمان، وأنه سیرفع شعار أرض المیعاد، وأن أكثر أتباعه من الیهود، ویلحق بهم الذین أخذوا بذیول الیهود، ثم الذین اتبعوا سنن أهل الكتاب شبرا بشبر، وذراعا بذراع..


[1] حزقيال: 33 / 23 - 25.

[2] متي: 3 / 7 - 11.

[3] يوحنا: 8 / 37.

[4] تفسير ابن كثير: 1 / 186.

[5] تفسير ابن كثير: 1 / 155.

[6] أنظر: تفسير ابن كثير: 4 / 84، تفسير الميزان: 17: 348.